رحلةٌ في حياةٍ حافلةٍ بالعطاء

ولد المغفور له الشيخ منصور بن طحنون بن محمد – رحمه الله – في واحة العين، تلك المدينة التي ارتبط اسمه بها ارتباطاً وثيقاً، حيث قضى حياته بين رمالها الذهبية وتاريخها العريق. نشأ في كنف أسرة عريقة، غرست فيه قيم الكرم والشجاعة والإخلاص للوطن منذ نعومة أظفاره. لم تكن طفولته مجرد أيام عادية، بل كانت مدخلاً لعالمٍ غني بالتاريخ والتقاليد الإماراتية الأصيلة، شكلت شخصيته وطموحاته. يُروى عن كرمه وحسن معاملته للجميع، صغيراً كان أم كبيراً، مُجسّداً مثالاً يُحتذى به في العطاء والإيثار.

ترعرع في بيئةٍ غنيةٍ بالقصص والحكايات، فكانت تلك مصدر إلهامٍ له في مسيرته. تعلّم من حكايات الأجداد قيم الصبر والمثابرة، وأن النجاح لا يأتي إلا بالعمل الدؤوب والاجتهاد. غَرَست هذه الدروس فيه الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعه، والرغبة الدائمة في خدمة وطنه بكل إخلاص.

لم يكتفِ الشيخ منصور بالاستفادة من تاريخ مدينة العين الغني، بل ساهم بنشاطٍ في صناعة مستقبلها المشرق. لم تكن مساهماته مجرد أعمال روتينية، بل كانت بصمات واضحة في مختلف مناحي الحياة في العين. بدأ بتطوير البنية التحتية، مُحسّناً الطرق ومرافق المواصلات، مُسهّلاً حياة أهالي العين. امتدّت جهوده لتشمل تطوير الخدمات الصحية والتعليمية، مُحسّناً مستوى معيشة الجميع. يُذكر دعمه لبرامج التنمية المستدامة، مع أولوية للمشاريع التي تخدم الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. هل كان هذا العمل عبئاً أم شغفاً؟ يقول المؤرخون أنه كان رسالةً يؤمن بها الشيخ منصور.

لم تتوقف جهوده عند البنية التحتية، بل شملت المجالات الاجتماعية والثقافية. شجّع الفنون والموسيقى والتراث الإماراتي، مقدماً الدعم للمواهب الشابة. يُروى أنه كان راعياً كبيراً للمناسبات الثقافية والاحتفالات التي تُحيي التراث الإماراتي، مُحافظاً عليه من الضياع. بفضل دعمه، ازدهرت الحياة الثقافية في العين، وأصبحت معروفة بثرائها وتنوعها. ما مدى تأثير هذا الدعم على الهوية الثقافية للعين؟ بحسب دراسات أُجريت مؤخراً، كان للدعم الذي قدّمه الشيخ منصور تأثيرٌ بالغ الأهمية في حماية وإحياء التراث الإماراتي.

لم يكن الشيخ منصور مجرد شخصية عامة، بل كان رمزاً يُحتذى به، بفضل تواضعه وكرمه وحكمته. لذلك، فمن الطبيعي أن يترك إرثاً ثميناً يتجاوز حدود الزمن، إرثاً يتجلى في التنمية المستدامة التي شهدتها العين، وفي النهضة التي ساهمت في بنائها.

تخليد الإرث: خطواتٌ عمليةٌ للمستقبل

لكي نبقى أوفياء لذكراه، يجب أن نعمل جميعاً على الحفاظ على هذا الإرث الثمين. وهنا تبرز أهمية الجهود المشتركة من قبل مختلف الجهات:

  1. الحكومة الإماراتية: إنشاء متحف أو مركز ثقافي يحمل اسمه، يُحفظ فيه وثائق رسمية وتسجيلات صوتية وصور تُخلد إنجازاته، وإطلاق مبادرات تنموية مستدامة مستوحاة من رؤيته. هذا من شأنه أن يضمن استمرار تأثيره الإيجابي على المدى البعيد.

  2. أهالي العين: إحياء ذكرى وفاته سنوياً، بإقامة فعاليات تُبرز إنجازاته، وتنظيم أعمال تطوعية خيرية باسمه، ونشر قصص عن عطائه وكرمه. بهذه الطريقة، سيتوارث الأجيال القادمة قصص إنجازاته وخصاله الحميدة.

  3. الباحثون والعلماء والمؤرخون: إجراء دراسات أكاديمية متعمقة حول حياته وإنجازاته، وكتابة كتب ومقالات تُبرز دوره في نهضة العين. هذا يُسهم في فهم أعمق لإنجازاته وتأثيره على التنمية في الإمارات.

إن رحيل الشيخ منصور بن طحنون – رحمه الله – لا يعني نهاية مسيرته، بل هو بداية لإحياء ذكراه وتخليد إنجازاته في قلوب الجميع. فلنكمل مسيرته، ونعمل جميعاً على بناء مستقبل أفضل، مستوحين من إخلاصه وعطائه غير المحدود. فلنجعل من ذكراه دافعاً لبذل المزيد من الجهد في خدمة وطننا الغالي، ففي حياته درسٌ لنا جميعاً.